نحن نريد الوعي ، وجعل التفكر في ذهن كل مسلم من المسلمين ، نريد التطور والرقي ، فمنذ أن ذهب وغادرنا العصر العباسي لاحظنا رجوع المسلمين إلى وراء ، وكأننا لم نكن أهل العلم في بلاد العرب ، هل أخافنا المغول إلى هذه الدرجة ، هل حذرنا اليهود إلى درجة أصبحنا فيها لا نفكر حتى ، لماذا صار أولادنا لا يهتمون بالعلم أبدا ؟ لماذا ضاعوا وأصبحوا يقلدون حضارات الغرب في الأشياء التافهة وأهملوا تقليدهم للصفات التي هي مهمة كالعلم والفلسفة ............
هذا في جانب ، أما الجانب الثاني ، فهو جانب الأخلاق والدين ، فلاحظنا ابتعاد معظم المسلمين عن هذا الدين الحنيف ، ولقد ظهرت الحركات التصليحية والتي هدفها الرجوع إلى هذا الدين الإسلامي ، ولكنها لم تحقق شيئا بالمقارنة مع ما هو حال العرب والمسلمين الآن ، فمنذ ظهرت هذه الحركات لم نشهد إلى السقوط ، فلا رقي ولا تطور ملحوظ ، وبالمقابل تم القضاء جزئيا عن ما هو أصل الإسلام ...... ومنذ ذهاب هذا الأصل المتشدد بالإسلام و اللا متعصب له ، أصبح الإسلام يزول تدريجيا ...... إنه التصوف
لقد شهدت دول أمثال الجزائر والمغرب ظهور لما هو أصل الإسلام ، وزيادة عن هذا كان موجود من قبل في قلوب كل الناس ، لقد ظهر أولياء الله الصالحين وظهر معهم من هم تابعون له كأولادهم ، الذين نستدل بهم بأنهم عرب حقيقيون ، وعندما تسأله ما هو أصلك ، فدون أن يرد عليك بأنه عربي ، يجاوبك أنا ولد ثم ولد إلى غاية الوصول إلى هذا الجد الصالح ، الذي هو أقل مرتبة من النبي ، والذي كان متصوف طبعا .....
تعريف التصوف : إن معنى التصوف اختلف فيه العلماء على حسب ما يضنون فيه ، حتى لغة : فهناك من قال أن التصوف تأتي من تصوف يتصوف تصوفا ، بمعنى لباس الصوف والذي كان يرتديه أهل هذا المذهب اعتقادا فيهم بأن متشدد إلى هذه الدرجة ، ومنهم من عارضه وقال أنه من صوفيا بمعنى الحكمة ، ولكن يبقى التعريف ناقص ، وأقل من تعريفه اصطلاحا .....
التصوف اصطلاحا بمعنى العمل والجهد الدائم في سبيل أخذ المغفرة من عند الله ، ثم التوبة إليه بقلب صافي جدا إلى درجة عدم التفكير في شيء شهي يجذب الإنسان إليه في الحياة اليومية ، والنقاء هو شعاره بصفة عامة ، سواءا كان نقاء القلب – بالأولوية – أو نقاء الجسد والملابس والمكان – المحيط – ومن المتصوفين من وصل إلى درجة النقاء المطلوبة ، وراح يدعوا الله بما عنده بالتسبيح ، بقراءة القرآن وحفظه وفهم معانيه و بالصلاة ، بالصوم ، بالزكاة سرا ، بالعمل الحسن ، هذا قبل أن يسمي نفسه متصوفا ، ويعارض كل شخص يسميه متصوف ولن يسمح له بأن يقول ذلك مرة ثانية ، إلى أن يصبح متصوف ، وإلى هنا مع إبعاد السحر والشعوذة جانبا لأن لا مكانة لها ضمن الدين الإسلامي ، يصبح هذا الشخص الصالح – بمعنى الكلمة – خاضع لاختبارات من عند الله ، وفي حالة تجاوزها بالصبر العميق والشديد ، يصل إلى درجة أخرى وهي أن كل دعوة يصل بها إلى الله تتحقق ، ثم يظهر لنا هذا الصالح منورا في وجهه ولباسه ، وحتى المكان الذي يمشي فيه ، بعد أن وصل إلى أسرار أخرى ، لقد أصبح بعقله يجوب في كل أنحاء العالم بالقدرة والجائزة التي وهبها الله له بمناسبة توبته العميقة والصافية ، وعندما نسمعه يتكلم عن أسرار ستحدث في المستقبل نندهش ونقول أنه كفر ، إذن هنا العيب ليس فيه إنما العيب الكبير فينا لأننا نحكم على الشيء دون أن نفهم معناه ، وفي هذه الحالة نحن هم الكفار ، فلماذا لا نجرب هذا معا ؟ فهو ليس بسحر أو شعوذة حتى نهرب منه ، والباقي لنا هو ملاحظة هذه النتيجة الصافية والصوفية التي نقول عنها كفر ، وهي غير ذلك
إنما هي نتيجة لعمل صالح وهبها الله للعبد الصالح الذي تاب توبة صالحة ، فمثلا رائد المذهب التيجاني في التصوف ، ألا وهو سيدي أحمد التيجاني ، فمن صغره وكل أهله يحثه عن العمل والعبادة ، إلى أن حفظ القرأن بقلب صافي ، وتلاه كله في أكثر من ألف مرة ، وهذا ليس بالعمل السهل ، ثم انحدر نحو الخلوة ، لا نعرف لحث أقاربه عن هذا العمل أو كتوجيه من عند الله ، والخلوة التي كانت سلاحه والتي كان فيها لا يكل ولا يمل من التسبيح للله ، إلى أن صار يرى أشياءا عجيبة في أحلامه ، كرؤية الأنبياء ، ورؤية الصالحين قبله ، وهذا زاده إيمانا أكثر ، ولن و لم يكل ، فأصبح يصوم يوميا عبادة للله ، ويصلي أوقات الليل والناس نيام ، فاعتنق الدين أكثر من اللازم ، أصبح أحمد هو الدين والدين هو أحمد ، ووصل لدرجة أخرى حيث بدأ يغيب عن هذا العالم ، ويذهب إلى عالم الصفاء والنقاء مثل قلبه تماما ، ففي تلك اللحظة رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ، نعم لقد رأى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، مثلما يحق لنا كلنا أن نراه ، لأننا منه وهو منا ، ولكن ليس بالسهولة ، يجب أن نعبد الله ونقترب من رحمته أكثر ، مثلما فعل سيدنا أحمد التيجاني ، فلما رآه ، أخذ نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام ، ينصح فيه ويسميه ولده .... يا ليتني كنت مكانه ، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
ونرى أن هذا المذهب الصوفي ، أتى من وقت الرسول ص ، وإلى يومنا هذا حيث نشهد انعدامه وزواله .... استغفر الله
فمثلا في العصر العباسي ، كان يوسف ابن الحجاج من المتصوفين في ذلك الزمان ، ووصل إلى تلك الدرجات العظيمة ، والتي أسميها أنا * جوائز الله للعبد في الدنيا * ، فوصل ابن الحجاج لدرجة ضن الناس لجهلهم فيها أنه كفر لا محالا ، فبدأ يقول قولة *** أنا الله .. أنا الله ***
غضب الملك في عصره ، وأتى به وقطع يده ، لكي لا يعاود هذا ، ولكنه لم يستسلم ، ثم قطع رجله ونفس الشيء ، ثم قطعت رقبته ومازال يتكلم ثم قطع لسانه ، فبقى هو الأخر يهتز ويلفظ ، إلى أن وضع الملك يده عن جبينه وقال ماذا فعلت يا إلاهي ، لقد أدرك غلطته .... يتبع